جسر الغروب
كانت الشمس تميل نحو الأفق، ترسم خطوطًا ذهبية على سطح النهر الذي يجري ببطء تحت الجسر العتيق.
وقف عمر هناك، مسندًا ذراعيه على السور الحديدي، وعيناه تراقبان الألوان وهي تتبدل بين البرتقالي والأرجواني.
كان يعرف أن هذا هو المكان الذي سيجمعه بها بعد غياب طويل.
سمع وقع خطوات خلفه، فالتفت. كانت ليلى تقترب بخطوات هادئة، ترتدي معطفًا رماديًا، وشعرها يتحرك مع نسيم المساء.
ابتسمت بخجل:
– تأخرت؟
– لا… بل جئتِ في الوقت المناسب، قبل أن يغيب آخر شعاع للشمس.
اقتربت ووقفت بجانبه، نظرت إلى الأفق وقالت:
– مضى وقت طويل منذ آخر مرة وقفنا هنا.
– خمس سنوات… لكني لم أنسَ أي لحظة منه.
ضحكت بخفة، ثم نظرت إليه بعينين مليئتين بالذكريات:
– ولا أنا… لكننا كنا أصغر، وأكثر تهورًا.
– وربما أكثر صدقًا أيضًا.
ساد الصمت للحظات، لا يسمع فيه سوى صوت الماء المتدفق أسفل الجسر. ثم قال عمر بصوت منخفض:
– ليلى، هل تعلمين لماذا طلبت لقاءك هنا اليوم؟
– ربما لأنك تفتقد الماضي…
– لا، بل لأنني أريد أن أبني مستقبلًا. معك.
شعرت قلبها يخفق، لكنها حاولت إخفاء ارتباكها:
– عمر… نحن تغيرنا، والحياة لم تعد كما كانت.
– نعم، تغيرنا… لكن بعض الأشياء تزداد جمالًا مع الوقت، مثل هذا الغروب، مثل حبنا.
نظرت إلى النهر، ثم إلى يده الممدودة نحوها. ترددت قليلًا، قبل أن تضع يدها في يده.
شعر كلاهما بحرارة اللحظة، وكأن العالم توقف للحظة قصيرة، لا يوجد فيها سوى صوت النهر والسماء الملونة.
ابتسم عمر وقال:
– فلنعد المحاولة… هذه المرة دون أن ندع شيئًا يفرقنا.
ابتسمت ليلى بدورها، وهمست:
– موافقة… لكن بشرط، أن نعود كل عام إلى هذا الجسر عند الغروب.
– وعد.
وتحركا سويًا بخطوات بطيئة، تاركين خلفهما جسر الغروب كحارس صامت لأسرارهما الجديدة.