الجمعة، 29 أكتوبر 2021

"الرسالة التي غيّرت كل شيء"

"الرسالة التي غيّرت كل شيء"

في إحدى الليالي، وبعد شجار حاد، ذهب كل من ليلى وزوجها للنوم دون حديث.
في الصباح، وجدت ليلى رسالة على الطاولة: "أنا آسف… لم أقصد أن أجرحك، أنتِ أهم من أي خلاف."
دمعت عيناها، وكتبت ردًا: "وأنا آسفة… أحيانًا أنسى أن أختارك قبل أن أختار أن أكون على حق."
تلك الرسائل الصغيرة أصبحت طقسًا بينهما، يلجآن إليها كلما اشتد الخلاف.

الأحد، 24 أكتوبر 2021

يوم المطر


كانت سماء القاهرة تمطر بغزارة، والطرقات تلمع تحت أضواء السيارات.
ركضت هبة وزوجها كريم وهما يضحكان، يحاولان الاحتماء تحت مظلة صغيرة بالكاد تتسع لهما.
– "أسرع يا كريم… سأبتل!"
– "وهل يهم؟ المهم أنك معي."
وصلا إلى المقهى الصغير في زاوية الشارع، وجلسا بجوار النافذة يشاهدان المطر ينهمر.
أحضر النادل كوبين من الشوكولاتة الساخنة، فابتسم كريم: "هذه لحظة من تلك اللحظات التي لا تشترى بالمال".
ردت هبة وهي تضع رأسها على كتفه: "تمامًا… لحظات المطر هي التي تذكّرنا أن السعادة أبسط مما نظن."

السبت، 23 أكتوبر 2021

هاتف بلا إشارة

هاتف بلا إشارة

في ليلة انقطاع الكهرباء، جلس سامح ونهى في الشرفة.
– "لا يوجد إنترنت… ماذا سنفعل؟" قالت نهى.
– "سوف نتحدث… مثلما كان يفعل الناس قبل الهواتف."
وبدآ يسردان مواقف مضحكة من طفولتهما، ويتشاركان أسرارًا صغيرة لم يخبرا أحدًا بها.
مرّت الساعات وهما يضحكان، حتى نسيا الوقت تمامًا.
عندما عادت الكهرباء، قال سامح: "ربما يجب أن نقطع الإنترنت عن أنفسنا يومًا كل شهر."
ضحكت نهى: "أوافق… لكن بشرط أن تعد أنت العشاء."

الهدية المفقودة

الهدية المفقودة

أمضى حسام أيامًا يخطط لعيد ميلاد زوجته ريم، وقرر إهداءها عقدًا مميزًا.
لكن صباح يوم المناسبة، اكتشف أن العلبة اختفت. بحث في كل مكان حتى شعر باليأس.
عند المساء، قدم لها باقة ورد وقال بخجل: "كنت سأهديك شيئًا خاصًا… لكنه ضاع."
ابتسمت ريم: "أجمل هدية هي أنك تتذكرني وتحبني… أما العقد، فسنجده لاحقًا."
وبالفعل، وجداه بعد أسبوع في درج الملابس، وضحكا على الموقف لسنوات.

المطبخ المشترك

المطبخ المشترك

كانت منى معروفة بين أصدقائها بمهارتها في الطبخ، لا يمر أسبوع إلا وتجرّب وصفة جديدة وتشارك صورها على مواقع التواصل. أما زوجها مازن، فكان يفتخر دائمًا بأن أهم إنجازاته في المطبخ هي سلق البيض أو إعداد شطيرة جبن.
ومع ذلك، لم تكن منى ترى في هذا مشكلة، بل كانت تستمتع بإعداد الطعام له. لكن مازن كان يشعر أحيانًا بالحرج لأنه لا يشاركها شغفها في هذا العالم المليء بالنكهات والتوابل.

في أحد أيام الجمعة، وبينما كانت منى ترتب المطبخ، قال مازن فجأة:
– "تعرفين، أظن أن الوقت قد حان لأتعلم الطبخ."
رفعت حاجبيها بدهشة:
– "أنت؟ تطبخ؟"
– "لماذا لا؟ أريد أن أشاركك هوايتك… وربما أبهرك يومًا بوجبة من يدي."

ضحكت منى لكنها قررت أن تدعمه في فكرته. فتحت كتاب وصفاتها المفضلة واختارت طبقًا بسيطًا من المكرونة بصلصة الطماطم والريحان.
بدأ الدرس العملي، وكان المشهد أشبه ببرنامج كوميدي؛ الدقيق يتطاير، وقطع الطماطم تتناثر على الطاولة، ومازن يحاول تقطيع البصل ودموعه تنهمر ليس بسبب العاطفة بل بسبب رائحة البصل القوية.

قال مازن وهو يرمق السكين بحذر:
– "كيف تمسكين هذا الشيء دون أن تقطعي أصابعك؟"
– "بالتدريب يا عزيزي… بالتدريب."
كانت منى تراقبه بابتسامة، وهي تدرك أن المطبخ اليوم لن يكون نظيفًا كما اعتادت، لكنها شعرت بسعادة غامرة لأنه يحاول.

بعد ساعة من الفوضى والمجهود، جلسا على الطاولة أمام طبق المكرونة. كانت النكهة… لنقل إنها تحتاج بعض التحسين. لكن منى تظاهرت بالاستمتاع:
– "ممم… لذيذ! ربما عليك أن تطبخ لي مرة كل أسبوع."
ابتسم مازن بفخر:
– "اتفقنا، لكن المرة القادمة سنجرب شيئًا أصعب… ربما البيتزا!"

ومنذ ذلك اليوم، صار المطبخ مكانًا مشتركًا بينهما. أحيانًا ينجح الطبق، وأحيانًا تكون النتيجة كارثية، لكن الضحك كان حاضرًا دائمًا.
وفي كل مرة ينتهي الطبخ، كانا يلتقطان صورة للمطبخ المبعثر ويحتفظان بها في ألبوم خاص تحت عنوان: "مغامراتنا في المطبخ".

وهكذا، لم يكن الأمر مجرد تعلم طبخ بالنسبة لمازن، بل كان مساحة جديدة من الذكريات التي جمعت بينهما، وأصبح المطبخ شاهدًا على ضحكاتهما وحبهما، أكثر من كونه مكانًا لإعداد الطعام.


تأجيل الحلم

تأجيل الحلم

منذ أن كانت يمنى صغيرة، وهي تحب الزهور. كانت تمضي ساعات في حديقة بيت أهلها، تعتني بالأزهار الصغيرة وتراقب تفتحها مع أول شعاع للشمس. وعندما كبرت، حلمت أن تفتتح متجرًا خاصًا لبيع الزهور، متجرًا يعبق بالروائح العطرة ويملأه الألوان الزاهية.
لكن الحياة، كما تفعل دائمًا، كان لها رأي آخر. الزواج، ثم مسؤوليات البيت، ثم إنجاب طفلها الأول، وبعدها الثاني… وكل مرة كانت تقول: "لاحقًا… سأحقق حلمي لاحقًا."

زوجها فؤاد كان يعرف هذا الحلم جيدًا، فقد كانت تحكي له عنه كثيرًا. وفي كل مرة، كان يربت على يدها قائلًا:
– "سيأتي الوقت المناسب يا يمنى، لا تستعجلي."
لكن داخله كان يشعر بالأسف، لأنه يراها تؤجل حلمها عامًا بعد عام.

في ذكرى زواجهما الأولى، فاجأها فؤاد بطلب أن يخرجا في الصباح الباكر، دون أن يخبرها إلى أين. ركبا السيارة، وكانت شوارع المدينة لا تزال شبه فارغة. توقفت السيارة أمام محل صغير في شارع هادئ، وكان على واجهته لافتة "متاح للإيجار".
التفت إليها فؤاد مبتسمًا:
– "ماذا لو كان هذا هو متجرك؟"
اتسعت عيناها بدهشة:
– "متجري؟ تقصد…؟"
– "نعم، فكرت أن أستأجره لك، ونبدأ معًا تجهيز حلمك."

لم تستطع يمنى أن تمنع دموعها، كانت تتخيل هذا المشهد منذ سنوات، لكنها لم تصدق أنه يحدث بالفعل.
دخلت المحل الصغير، وجدت جدرانه فارغة، وأرضيته تحتاج إصلاحًا، لكن في عينيها كان أجمل مكان في العالم.
– "سنجعله مليئًا بالزهور، وسأكون معك خطوة بخطوة."
– "لكن المصاريف… والأطفال…؟"
– "سندبر الأمر، المهم أن أراكِ سعيدة."

خلال الأسابيع التالية، عملا معًا على تجهيز المحل. كانت يمنى تختار الألوان والديكورات، بينما فؤاد يهتم بالتصليحات. وفي اليوم الذي فُتح فيه المتجر لأول مرة، دخل الزبائن وانبهروا بجمال المكان.
وقفت يمنى خلف طاولة العرض، ترتب الورود بيدين ترتجفان من الفرح، وقالت لفؤاد:
– "لا أصدق أن حلمي أصبح حقيقة."
– "أنا فقط أعطيتك المفتاح… لكنك أنتِ من فتحتِ الباب."

مرت سنوات، وكبر المتجر، وصار معروفًا في الحي. وكلما سألتها صديقاتها كيف بدأت، كانت تبتسم وتقول:
"بدأ الأمر بزوج آمن بحلمي أكثر مني."

الرحلة الليلية

الرحلة الليلية

كانت الساعة تقترب من الحادية عشرة ليلًا، والبيت غارق في هدوء تام بعد أن نام الأطفال. جلست ليلى على الأريكة تحتسي كوبًا من الشاي، تتصفح بعض الصور القديمة على هاتفها. فجأة، جاء حسام من المطبخ حاملاً معطفه، وقال بابتسامة غامضة:
– "ارتدي معطفك، سنخرج."
رفعت رأسها بدهشة:
– "نخرج؟ في هذا الوقت؟ وإلى أين؟"
– "مفاجأة… ثقي بي."

ترددت قليلًا، لكنها في النهاية قررت أن تسايره. ارتدت معطفها وأخذت حقيبتها الصغيرة، ثم خرجا معًا إلى السيارة. الطريق كان شبه خالٍ، والهواء البارد يتسلل من النوافذ قليلًا، ليعطي الرحلة نكهة مختلفة.
كانت ليلى تحاول أن تستنتج وجهتهما:
– "هل سنذهب إلى مطعم؟"
– "لا."
– "زيارة أحد الأصدقاء؟"
– "أبدًا."
– "إذًا أخبرني، لا تتركني متحمسة هكذا."
– "اصبري دقائق وستعرفين."

بعد حوالي نصف ساعة من القيادة، بدأ الطريق يرتفع تدريجيًا، والمدينة تبتعد شيئًا فشيئًا خلفهما. وصلوا أخيرًا إلى منطقة مرتفعة تطل على المدينة كلها. أطفأ حسام المحرك، وفتح صندوق السيارة، وأخرج بطانية وفشارًا في كيس ورقي، وقارورة عصير تفاح ساخن.
جلسا على مقدمة السيارة، والمدينة أسفلهم تلمع كحقل من النجوم. كان الصمت في تلك اللحظة أبلغ من أي كلام.

قال حسام وهو يمد لها كوب العصير:
– "أردت فقط أن أذكرك أننا نستطيع أن نصنع لحظات سعيدة في أي وقت، حتى لو لم يكن هناك مناسبة."
ابتسمت ليلى وهي تحتضن الكوب الدافئ بيديها:
– "وأنا أردت أن أقول لك إنني سعيدة لأنك لا زلت تفاجئني بعد كل هذه السنوات."

جلسا يتحدثان عن أحلامهما وخططهما، وعن أشياء بسيطة لم يجدا وقتًا للحديث عنها وسط زحام الحياة. ضحكا على مواقف قديمة، وتذكرا أول مرة التقيا فيها، وكيف تغيرت حياتهما منذ ذلك الحين.
كان الهواء البارد يلسع وجهيهما، لكن دفء اللحظة كان يغمرهما أكثر من أي معطف.

قبل أن يعودا، التقطا صورة سيلفي بخلفية أضواء المدينة. وعندما عادا للبيت، علقت ليلى الصورة على الحائط بجوار صور المناسبات الكبيرة.
وعندما سألها أحد الأصدقاء يومًا عن سبب وضع هذه الصورة تحديدًا في مكان بارز، قالت مبتسمة:
"لأنها تذكرني أن الحب ليس في الهدايا الغالية أو الرحلات البعيدة… بل في لحظة عفوية تحت سماء الليل، مع الشخص الذي يجعل الدنيا كلها تبدو أجمل."

المكتبة القديمة

المكتبة القديمة

كان أحمد مولعًا بالكتب منذ صغره، لا يمر أسبوع إلا وقد أنهى قراءة رواية أو كتاب جديد. أما سارة، زوجته، فكانت ترى القراءة هواية مملة لا تحتاجها إلا وقت الدراسة.
لكن أحمد كان يؤمن أن الكتب ليست مجرد أوراق، بل عوالم كاملة يمكن أن تأخذك بعيدًا عن ضغوط الحياة.

في صباح يوم جمعة شتوي، اقترح أحمد أن يذهبا معًا إلى وسط البلد للتنزه قليلًا. لم يخبرها وجهته الحقيقية، بل اكتفى بابتسامة غامضة وهو يقود السيارة عبر الشوارع القديمة.
توقف أمام مبنى قديم، وعلى واجهته لافتة باهتة كتب عليها: "المكتبة الوطنية – منذ 1952".
نظرت سارة إليه بدهشة:
– "مكتبة؟ أحمد… أنت تعرف أنني لا أقرأ كثيرًا."
– "لهذا السبب جئنا… أريد أن أريك عالمًا مختلفًا."

دخلا المكتبة، وكان أول ما لفت انتباهها رائحة الورق القديم الممزوجة برائحة الخشب العتيق. الرفوف العالية تلامس السقف تقريبًا، والممرات ضيقة لكنها مليئة بالكتب التي يبدو أنها شهدت عقودًا من التاريخ.
أشار أحمد إلى ركن صغير في نهاية القاعة:
– "هذا هو قسم الكتب النادرة… ستجدين هنا عناوين لم تعد تُطبع منذ سنوات."

بدأت سارة تتجول بين الرفوف ببطء، تمرر أصابعها على أغلفة الكتب وكأنها تلمس شيئًا ثمينًا. توقفت أمام كتاب صغير بغلاف أزرق عليه رسمة لامرأة تحمل حقيبة سفر.
– "ما هذا؟"
– "كتاب عن رحلات امرأة زارت أكثر من 20 بلدًا في الخمسينات… أظن أنه سيعجبك."

جلست سارة على كرسي خشبي قديم وبدأت تتصفح الكتاب، بينما جلس أحمد بجوارها يقرأ رواية كان يبحث عنها منذ مدة.
مر الوقت بسرعة، وعندما نظرت إلى الساعة، اكتشفت أنها قضت أكثر من ساعة وهي غارقة في الصفحات.
قالت وهي تضحك:
– "لم أتوقع أن أستمتع بهذا الشكل… أشعر وكأنني سافرت معها."
– "هذا هو سحر الكتب، تأخذك إلى أماكن لم تزرها من قبل."

قبل أن يغادرا، اشترى أحمد لها ذلك الكتاب، وأصر أن يكون بداية مكتبتها الصغيرة في البيت. ومنذ ذلك اليوم، أصبحت زيارة المكتبة عادة شهرية لهما؛ يختاران كتابًا لكل منهما، ثم يقضيان وقتًا في أحد المقاهي لمناقشة ما قرآه.

وبعد عام، كان رف الكتب في غرفة المعيشة ممتلئًا، نصفه من اختيارات سارة. كانت تقول لكل من يزورها:
"أحمد لم يهدني مجرد كتاب… لقد أهداني عالمًا كاملًا."

الخميس، 21 أكتوبر 2021

التدريب المفاجئ

التدريب المفاجئ

كانت مروة تحب المشي منذ أيام الجامعة، لكن بعد الزواج وانشغالها بعملها ومنزلها، لم تعد تجد وقتًا كافيًا لممارسة الرياضة. ومع بداية العام الجديد، قررت الانضمام إلى ماراثون المشي الذي يقام في الحديقة العامة كل ربيع، لكن الأيام مرت سريعًا، ووجدت نفسها على بعد أسبوع واحد من الماراثون دون أي استعداد.

في صباح يوم الجمعة، وبينما كانت تحضر الإفطار، دخل تامر، زوجها، مرتديًا ملابس رياضية ويحمل في يده زوجًا جديدًا من الأحذية الرياضية.
ابتسم وهو يقول:
– "اليوم لا يوجد إفطار قبل المشي."
نظرت إليه باستغراب:
– "ماذا تقصد؟"
– "لقد سجلت اسمي معك في الماراثون، واليوم سنبدأ التدريب معًا."

ضحكت مروة:
– "أنت؟ في الماراثون؟"
– "ولم لا؟ على الأقل سأكون بجانبك في خط النهاية… أو ربما قبلك."

خرج الاثنان إلى الحديقة القريبة من المنزل، كان الجو باردًا لكن مشمسًا، والهواء النقي يملأ صدريهما بالطاقة. بدأا بالمشي البطيء، ثم زادا السرعة تدريجيًا. مروة كانت تضحك وهي تراقب تامر يحاول مجاراتها، بينما هو يبالغ في التنفس وكأنه شارك في سباق عالمي.
– "لا تضحكي، أنا فقط أختبر قدرتي على التحمل."
– "تحملك؟ لقد مشينا عشر دقائق فقط!"

بعد نصف ساعة، توقفا عند مقعد خشبي تحت شجرة كبيرة، وتبادلا شرب زجاجة ماء. جلسا يتحدثان عن أيام الجامعة والمشي الطويل الذي كان جزءًا من روتين مروة وقتها، وعن المرات القليلة التي حاول فيها تامر ممارسة الرياضة وفشل.
قال تامر:
– "أردت أن أكون جزءًا من هذا التحدي معك، حتى لو لم أكن رياضيًا مثلك."
ابتسمت مروة:
– "وأنا سعيدة لأنك قررت ذلك… التدريب معك ممتع أكثر من التدريب وحدي."

على مدى الأيام التالية، أصبح التدريب الصباحي طقسًا جديدًا لهما. أحيانًا كانا يتسابقان، وأحيانًا يمشيان بهدوء ويتحدثان عن خطط المستقبل. ومع اقتراب يوم الماراثون، شعرت مروة أنها ليست فقط مستعدة بدنيًا، بل أيضًا أكثر قربًا من تامر.

يوم السباق، وقفا معًا في خط البداية وسط الحشود، تبادلا نظرة مليئة بالحماس. وعندما قطعا خط النهاية بعد ساعة تقريبًا، كان التعب ظاهرًا على وجهيهما، لكن البسمة لم تفارقهما.
قال تامر وهو يلتقط أنفاسه:
– "ربما العام القادم نشارك في سباق ركض."
ضحكت مروة:
– "دعنا ننهي احتفال اليوم أولًا، ثم نفكر."

ومنذ ذلك اليوم، بقي المشي عادة مشتركة بينهما، ليس فقط كرياضة، بل كوقت خاص يجمعهما بعيدًا عن ضوضاء الحياة.

الثلاثاء، 19 أكتوبر 2021

وعد تحت المطر

وعد تحت المطر

كانت السماء ملبّدة بالغيوم في ذلك المساء، والمطر ينهمر بغزارة حتى بدا الشارع خالياً من المارة.
سلمى كانت واقفة أمام المقهى الصغير على زاوية الطريق، ترتجف من البرد وهي تنتظر. قلبها يخفق بسرعة، ليس فقط بسبب الطقس، بل لأن هذا اليوم قد يكون فاصلاً في حياتها.

وصل أحمد وهو يلهث، سترته مبتلة تماماً، وابتسامة خجولة على وجهه.
قال وهو يمد يده إليها:
– آسف على التأخير… المطر فاجأني.

ابتسمت سلمى رغم قلقها:
– لا بأس… المهم أنك أتيت.

جلسا داخل المقهى، وصوت المطر يطرق النوافذ كأنه يكتب لحنًا خاصًا لهما. كانت هناك رهبة بينهما، فقد جمعهما العمل منذ عامين، لكن لم يجرؤ أحدهما على الحديث عن المشاعر بوضوح.

أخرج أحمد ظرفاً صغيراً من جيبه ووضعه أمامها.
– قبل أن تقرئي، أريدك أن تعرفي أنني فكرت كثيراً قبل أن أكتب هذه الكلمات.

فتحت الظرف بيد مرتجفة، وقرأت رسالة قصيرة لكنها مليئة بالصدق: "سلمى… منذ أن عرفتك وأنا أرى الحياة بشكل مختلف. أريد أن أعيش معك كل فصول العمر… هل تقبلين أن نبدأ معًا؟"

رفعت رأسها، عينيها تلمعان بدموع امتنان وفرح.
– أحمد… لم أتوقع هذا، لكن… نعم، أوافق.

ضحك بخفة، ثم مد يده عبر الطاولة يمسك يدها، كان دفء أصابعه يتسلل إلى قلبها رغم برودة الجو في الخارج.
– أعدك… سأكون بجانبك في السراء والضراء، مثلما يقف المطر الآن ليغسل كل شيء، سنغسل نحن أي حزن قد يأتي.

ابتسمت وهي تهمس:
– إذن ليكن وعدًا… وعد تحت المطر.

ظلّا يتحدثان لساعات عن أحلامهما وخططهما، بينما المطر يخف شيئًا فشيئًا، وكأن السماء نفسها تمنحهما بركتها.
وعندما غادرا المقهى، كان الشارع يلمع تحت أضواء المصابيح، وكأن الطريق أمامهما أصبح أكثر إشراقًا.

كان ذلك اليوم بداية قصة حب لم تنتهِ، ووعدهما تحت المطر ظل محفورًا في قلبيهما كأجمل ذكرى.


مقهى الذكريات

مقهى الذكريات

كان المقهى الصغير في زاوية الحي هادئًا على غير العادة، وكأن الزمن توقف عنده منذ سنوات. رائحة القهوة المحمصة تعبق في المكان، تختلط بصوت فيروز الخافت في الخلفية.
جلس يوسف على الطاولة القريبة من النافذة، يحدّق في كوب القهوة أمامه دون أن يجرؤ على ارتشافه. كان قلبه يطرق بقوة؛ فهو يعلم أن لقاء اليوم ليس كأي لقاء.

فتحت سارة الباب، ودخلت بخطوات مترددة. لم تتغير كثيرًا منذ آخر مرة رآها قبل ثلاث سنوات، إلا أن في عينيها شيئًا جديدًا… مزيج من النضج والحزن.
ابتسمت ابتسامة باهتة وهي تقترب:
– يوسف… تأخرت قليلًا، الطريق كان مزدحمًا.

– لا بأس… كنت أنتظرك.

جلسا بصمت للحظات، قبل أن يقطع يوسف الجمود:
– أتذكرين هذه الطاولة؟ كانت دائمًا مكاننا المفضل… حيث كنا نخطط لكل شيء.

ضحكت بخفة، لكن صوتها كان مكسورًا قليلًا:
– نعم… كنا نحلم بالسفر والعمل معًا… لكن الحياة أخذتنا في طرق مختلفة.

تنهد يوسف وهو يمرر أصابعه على فنجان القهوة:
– صحيح… لم تكن الأمور سهلة. لكني جئت اليوم لأقول شيئًا لم أستطع قوله وقتها.

رفعت سارة حاجبيها باهتمام:
– ماذا؟

– كنت أحبك… ولا زلت.

ساد صمت ثقيل، لم يُكسره سوى صوت الملعقة وهي ترتطم بجدار الكوب. نظرت إليه طويلًا، ثم قالت بصوت خافت:
– وأنا أيضًا… لكن الظروف كانت أقوى منا.

– الظروف لا تمنع القلب من النبض… نحن من نقرر الاستسلام أو الاستمرار.

بدت الحيرة في عينيها، وكأنها تقاتل نفسها من الداخل. تناولت رشفة من قهوتها، ثم تمتمت:
– هل تظن أننا نستطيع البدء من جديد بعد كل هذا الوقت؟

ابتسم يوسف بثقة، مد يده نحوها:
– إذا كنا نريد حقًا، نعم. لنترك الماضي وراءنا، ولنكتب فصلاً جديدًا هنا… في مقهى الذكريات.

وضعت يدها في يده ببطء، شعرت بدفء افتقدته طويلاً، وكأن اللحظة أعادتها لسنوات مضت.
نظر كل منهما للآخر بعينين تقولان أكثر مما تستطيع الكلمات أن تصفه.

وعندما غادرا المقهى، كانت السماء صافية، والريح تحمل رائحة القهوة من بعيد… لتبقى ذكرى ذلك اللقاء محفورة في قلبيهما كعطر لا يزول.


جسر الغروب

جسر الغروب

كانت الشمس تميل نحو الأفق، ترسم خطوطًا ذهبية على سطح النهر الذي يجري ببطء تحت الجسر العتيق.
وقف عمر هناك، مسندًا ذراعيه على السور الحديدي، وعيناه تراقبان الألوان وهي تتبدل بين البرتقالي والأرجواني.
كان يعرف أن هذا هو المكان الذي سيجمعه بها بعد غياب طويل.

سمع وقع خطوات خلفه، فالتفت. كانت ليلى تقترب بخطوات هادئة، ترتدي معطفًا رماديًا، وشعرها يتحرك مع نسيم المساء.
ابتسمت بخجل:
– تأخرت؟

– لا… بل جئتِ في الوقت المناسب، قبل أن يغيب آخر شعاع للشمس.

اقتربت ووقفت بجانبه، نظرت إلى الأفق وقالت:
– مضى وقت طويل منذ آخر مرة وقفنا هنا.

– خمس سنوات… لكني لم أنسَ أي لحظة منه.

ضحكت بخفة، ثم نظرت إليه بعينين مليئتين بالذكريات:
– ولا أنا… لكننا كنا أصغر، وأكثر تهورًا.

– وربما أكثر صدقًا أيضًا.

ساد الصمت للحظات، لا يسمع فيه سوى صوت الماء المتدفق أسفل الجسر. ثم قال عمر بصوت منخفض:
– ليلى، هل تعلمين لماذا طلبت لقاءك هنا اليوم؟

– ربما لأنك تفتقد الماضي…

– لا، بل لأنني أريد أن أبني مستقبلًا. معك.

شعرت قلبها يخفق، لكنها حاولت إخفاء ارتباكها:
– عمر… نحن تغيرنا، والحياة لم تعد كما كانت.

– نعم، تغيرنا… لكن بعض الأشياء تزداد جمالًا مع الوقت، مثل هذا الغروب، مثل حبنا.

نظرت إلى النهر، ثم إلى يده الممدودة نحوها. ترددت قليلًا، قبل أن تضع يدها في يده.
شعر كلاهما بحرارة اللحظة، وكأن العالم توقف للحظة قصيرة، لا يوجد فيها سوى صوت النهر والسماء الملونة.

ابتسم عمر وقال:
– فلنعد المحاولة… هذه المرة دون أن ندع شيئًا يفرقنا.

ابتسمت ليلى بدورها، وهمست:
– موافقة… لكن بشرط، أن نعود كل عام إلى هذا الجسر عند الغروب.

– وعد.

وتحركا سويًا بخطوات بطيئة، تاركين خلفهما جسر الغروب كحارس صامت لأسرارهما الجديدة.

السبت، 16 أكتوبر 2021

محطة القطار

محطة القطار

كانت سماء الشتاء ملبدة بالغيوم، والبرد يلسع الوجوه. في محطة القطار القديمة، جلس يوسف على أحد المقاعد الخشبية ينتظر قطار الساعة الخامسة.
كانت يداه داخل جيبي معطفه الثقيل، وعيناه تراقبان البخار المتصاعد من فمه مع كل نفس.

لم يكن ينتظر القطار فقط… بل ينتظر لقاءً لم يكن متأكدًا أنه سيحدث.
لقد كتب لها قبل أسبوع: "سأكون في محطة القطار يوم الجمعة، الخامسة مساءً، إذا جئتِ… فاعلمي أنني ما زلت على العهد."

ارتفعت صفارة القطار القادم، وبدأ الركاب يتحركون نحو الرصيف.
وبين وجوه المسافرين، لمح يوسف وجهًا مألوفًا… كانت هي.
نور، بشعرها الأسود الذي يتطاير مع الريح، ووشاحها الأحمر الذي كان هدية منه قبل ثلاث سنوات.

اقتربت منه ببطء، وكأنها تخشى أن تتأكد من أنه حقيقي.
– يوسف…؟

– نعم… أنا.

ترددت للحظة، ثم جلست بجانبه.
– لم أتوقع أن آتي… لكن قلبي دفعني إلى هنا.

ابتسم بخفة:
– وكنت أخشى أن يكون قلبي هو الوحيد الذي يريد هذا اللقاء.

– لا… لكن الحياة أخذتنا في طرق متباعدة، ولم أكن أعرف كيف نعود.

– نحن الآن في المحطة، والمقطورات كثيرة… يمكننا أن نصعد معًا إلى أي قطار نريد.

نظرت في عينيه وقالت:
– لكن ماذا عن الماضي؟ عن الجراح التي تركناها وراءنا؟

– الماضي محطة قديمة… إذا ظللنا فيها، لن نصل أبدًا.

ساد صمت قصير، لم يقطعه سوى صوت الرياح ونداء القطار الأخير.
مد يوسف يده نحوها:
– هل نصعد معًا؟

أمسكت يده، وشعرت بالدفء يتسلل إلى أصابعها، كأنه يذيب كل ما تبقى من برد السنوات الماضية.
وقفت معه، وصعدا القطار قبل أن تتحرك العجلات ببطء، تاركين خلفهما المحطة، وحاملين أملًا جديدًا في رحلة مشتركة.


الرسالة المفقودة

الرسالة المفقودة

كانت ليلى تجلس في غرفتها الصغيرة، وأمامها صندوق خشبي قديم ورثته عن جدتها.
قررت أن تفتحه لأول مرة منذ وفاتها، ربما تجد بعض الصور أو الحلي القديمة.
لكن ما شد انتباهها كان ظرفًا أصفر باهت، مكتوب عليه بخط يدٍ أنيق: "إلى ليلى… بعد عشر سنوات."

تجمدت يدها للحظة، قلبها بدأ يخفق بسرعة، فهي لم تكن تتوقع شيئًا كهذا.
مزقت الظرف بحذر، وأخرجت ورقة طويلة مكتوبة بخط جدتها.

"ليلى… حين تقرئين هذه الرسالة، ستكونين قد بلغتِ سن النضج، وربما تواجهين صراعًا بين قلبك وعقلك.
اعلمي أنني أخفيت عنك سرًا سيغير حياتك، وهو أن أباك الذي تربيتِ على أنه توفي… ما زال حيًا."

شهقت ليلى بصوت مرتفع:
– ماذا…؟ أبي حي؟!

تابعت الرسالة:
"هو يعيش في مدينة الإسكندرية، واسمه سامي. رحل لأسباب ستفهمينها إذا قابلتيه. لا تخافي من البحث عنه، فقد آن الأوان لتعرفي الحقيقة."

جلست ليلى على السرير، تحدق في الحروف وكأنها لا تصدق.
بعد دقائق من الصمت، أمسكت هاتفها، وبدأت تبحث على الإنترنت عن اسمه.
لم يكن الأمر سهلًا، لكنها وجدت رقم هاتف لمحل كتب قديم في الإسكندرية يحمل اسم "سامي عبد الله".

اتصلت، وجاء صوت رجل مسن:
– ألو؟

– هل… هل أنت سامي عبد الله؟

– نعم… من معي؟

ترددت، ثم قالت بصوت مرتعش:
– أنا… ليلى. ابنتك.

ساد صمت طويل، قبل أن تسمع تنفسه الثقيل.
– كنت أعلم أن هذا اليوم سيأتي… أين أنتِ الآن؟

– في القاهرة… لكن يمكنني أن آتي إليك.

– تعالي غدًا، سأكون في المقهى بجانب محل الكتب، الساعة الرابعة.

في اليوم التالي، وقفت ليلى أمام المقهى، قلبها يدق كطبول الحرب.
دخلت، فرأت رجلاً بملامح تشبه ملامحها كثيرًا، يجلس في زاوية هادئة.
عندما التقت عيناهما، شعرت وكأن الزمن توقف.

ابتسم سامي بخفة، والدموع تلمع في عينيه:
– كنت أعد الأيام لأراكِ… يا ابنتي.

جلست أمامه، وهي تحاول أن تجمع شتات مشاعرها بين الصدمة والحنين، مدركة أن هذه اللحظة ستغير حياتها للأبد.


ظلّ في الممر

ظلّ في الممر

كانت أمينة تعمل في مكتبة قديمة تقع في شارع ضيق وسط المدينة.
في الليالي الماطرة، كانت المكتبة تكتسي بهالة غامضة، والجدران الخشبية تصدر أصواتًا كأنها تهمس.

في إحدى الأمسيات، كانت وحيدة هناك، تفرز الكتب القديمة قبل الإغلاق.
وفجأة، شعرت ببرودة تسري في جسدها، رغم أن النوافذ مغلقة.
التفتت نحو الممر الطويل الذي يفصل بين أرفف الكتب، ورأت ظلاً طويلاً يتحرك ببطء.

ابتلعت ريقها وحاولت إقناع نفسها بأنه انعكاس ضوء.
لكن الظل توقف، ثم بدا وكأنه ينظر إليها!

– من هناك؟! – صرخت بصوت مرتجف.

لم يجبها أحد، لكن وقع خطوات خافتة بدأ يقترب.
مدّت يدها نحو هاتفها، لكن البطارية كانت قد نفدت.

تراجعت ببطء نحو باب الخروج، وعندما التفتت، وجدت على الطاولة كتابًا لم تره من قبل.
غلافه أسود بالكامل، وعليه عبارة مكتوبة بخط ذهبي:
"اقرأني لتعرف الحقيقة…"

ارتجفت يداها وهي تفتحه، فوجدت الصفحة الأولى فارغة، إلا من جملة:
"أنا أعرفك… وأراقبك."

فجأة، انطفأت كل الأنوار، وغمر الظلام المكتبة.
سمعت صوت أنفاس خلفها، ثم همسة باردة لامست أذنها:
– تأخرتِ كثيرًا يا أمينة…

استدارت بسرعة، لكن لم يكن هناك أحد.
وعندما أعيد تشغيل الأنوار بشكل مفاجئ، اختفى الظل، واختفى الكتاب من الطاولة.

خرجت مسرعة تحت المطر، وهي تتساءل إن كان ما حدث حقيقيًا… أم مجرد وهم.
لكنها لم تلاحظ أن بين صفحات دفتر ملاحظاتها الآن ورقة جديدة مكتوب عليها:
"إلى اللقاء الليلة… في حلمك."

رسائل من هاتف ميت

رسائل من هاتف ميت

كانت ليلى فتاة هادئة، تعيش في شقة صغيرة بعد وفاة خطيبها، سامي، في حادث سيارة قبل ستة أشهر.
رغم مرور الوقت، لم تستطع التخلص من صوته وضحكته في ذاكرتها.
كانت كل ليلة قبل النوم تقرأ الرسائل القديمة بينهما، وتشعر كأنه ما زال هناك.

وفي مساء بارد، بينما كانت تحتسي قهوتها وتتفقد هاتفها، وصلتها رسالة جديدة… من رقم سامي!

كانت الرسالة قصيرة:
"اشتقت إليك… هل تفتقدينني؟"

تجمدت أصابعها، وظنت في البداية أن أحد أصدقائه يعبث معها.
لكنها كانت تعرف أن هاتفه قد تحطم تمامًا في الحادث، وبطاقة SIM تم إلغاؤها.

كتبت بسرعة:
"من أنت؟ وكيف حصلت على هذا الرقم؟"

جاء الرد فورًا:
"أنا سامي… أنتِ تعلمين أني لم أتركك أبدًا."

ارتجف قلبها، وبدأت يداها تتعرقان.
قررت الاتصال بالرقم، لكن ما سمعته كان مجرد أنفاس بطيئة، ثم صوت هامس يشبه صوته تمامًا يقول:
– لا تحاولي فهم الأمر… فقط انظري من نافذتك.

ترددت، ثم ذهبت إلى النافذة.
في ضوء الشارع الخافت، رأت شخصًا يقف أسفل المبنى، يضع معطفه الأسود الذي كان سامي يرتديه دائمًا.

عادت مسرعة وأغلقت الستائر، وكتبت له:
"إذا كنت سامي، أثبت ذلك!"

وصلتها صورة على الفور، صورة قديمة لهما في المقهى المفضل لديهما، لكنها لم تكن صورة مأخوذة من هاتفها أو هاتفه…
كانت الصورة مأخوذة من زاوية مختلفة، وكأن شخصًا ما كان يراقبهما يومها.

في تلك اللحظة، انطفأت الأضواء في الشقة، وسمعت طرقات بطيئة على بابها.
اقتربت بحذر، وسألت بصوت مرتجف:
– من هناك؟

لم يأتِ أي رد، فقط ورقة تم تمريرها أسفل الباب مكتوب عليها:
"أخبرتك أني لم أتركك… وسأراك الليلة."

وعندما فتحت الباب بسرعة، لم يكن هناك أحد…
لكن هاتفها اهتز مرة أخرى، والرسالة الأخيرة كانت:
"أنا خلفك."

صورة الزفاف الأخيرة

صورة الزفاف الأخيرة

كانت منى تحلم بيوم زفافها منذ أن كانت طفلة.
وأخيرًا جاء اليوم المنتظر، حيث ارتدت فستانها الأبيض، ووقف أحمد، العريس، بجانبها بابتسامته المطمئنة.
الموسيقى كانت هادئة، والأهل والأصدقاء يصفقون بفرح، والمصور يتنقل بين الحضور لالتقاط اللحظات السعيدة.

لكن في إحدى الصور، التقط المصور مشهدًا غريبًا…
لم يلاحظه أحد في البداية، لكنه كان واضحًا عند مراجعة الصور لاحقًا.

في الصورة، كان أحمد يبتسم وهو يمسك يد منى، لكن خلفهم، في المرآة الكبيرة بقاعة الحفل، لم يكن هناك انعكاس للعريس…
فقط انعكاس العروس وحدها، وفستانها الأبيض يلمع، بينما مكان أحمد كان فراغًا أسود قاتم.

المصور شعر بالارتباك، لكنه لم يقل شيئًا حتى لا يفسد الحفل.
ومع مرور اليوم، لاحظت منى أن أحمد بدا غريبًا، بارد اللمس، ويداه دائمًا باردة حتى في القاعة المزدحمة.

بعد أيام قليلة من الزفاف، كانت منى تجلس في غرفة النوم، تتأمل ألبوم الصور.
لكنها توقفت عند نفس الصورة، حيث لاحظت أن "الفراغ" في المرآة لم يعد فراغًا…
الآن ظهر فيه وجه مشوه، مائل الابتسامة، بعيون سوداء عميقة يحدق فيها مباشرة.

أغلقت الألبوم بسرعة، والتفتت لتنادي أحمد، لكنها وجدته واقفًا خلفها، صامتًا، وابتسامته مطابقة تمامًا لابتسامة ذلك الوجه في المرآة.

قال بصوت منخفض:
– قلت لك… كان يجب أن تظلي معي للأبد.

ثم انطفأت كل الأضواء، ولم يُسمع بعدها سوى صرخة واحدة، طويلة…

الخميس، 14 أكتوبر 2021

غرفة بلا نوافذ

غرفة بلا نوافذ

استيقظ سامي فجأة، وهو لا يتذكر كيف وصل إلى هذه الغرفة.
كانت الجدران رمادية، بلا نوافذ، وباب واحد معدني يقف في نهايته ضوء أحمر خافت.
لم يكن هناك أي صوت، إلا دقات قلبه التي بدت عالية بشكل مزعج.

اقترب من الباب وحاول فتحه، لكنه كان مغلقًا بإحكام.
عندما استدار، فوجئ بوجود سرير في منتصف الغرفة، وعليه صورة قديمة له مع والدته، لكنها كانت تبتسم بطريقة غريبة، بعينين واسعتين أكثر من الطبيعي.

حاول أن يتذكر آخر يوم له قبل أن يكون هنا…
آخر ما يتذكره هو أنه كان نائمًا في سريره في شقته، ثم استيقظ هنا.
ولكن… هل كان هذا قبل ساعات أم قبل سنوات؟
الوقت كان بلا معنى في هذه الغرفة.

جلس على الأرض وأغلق عينيه، وحاول النوم ليتجاهل الخوف.
لكن عندما فتح عينيه، وجد نفسه مستلقيًا على نفس السرير في الغرفة، والصورة القديمة الآن بجانبه على الوسادة، وكأن أحدهم وضعها هناك وهو نائم.

الصوت الوحيد الذي سمعه بعدها كان صوت أقدام تقترب ببطء من خلف الباب المعدني.
ثم همسة:
– "أخيرًا استيقظت… كنا ننتظرك."

الباب فتح ببطء، والضوء الأحمر غمر الغرفة…
لكن بدلاً من الخروج، شعر سامي أن شيئًا ما يدفعه للخلف إلى السرير، وأن الغرفة بدأت تتقلص، حتى أصبحت جدرانها على بعد سنتيمترات من وجهه.

في لحظة، استيقظ مرة أخرى… في سريره الحقيقي هذه المرة، في شقته.
ضحك بارتياح، ظانًا أن كل ذلك كان حلمًا.

لكن عندما التفت إلى الطاولة بجانبه، كانت الصورة القديمة هناك…
وعليها بقع دم لم تكن موجودة من قبل.

الذكريات المحظورة

الذكريات المحظورة

كان حسام يعيش حياة عادية… أو هكذا كان يعتقد.
حتى ذلك الصباح، عندما استيقظ ووجد على مكتبه دفترًا أسود لم يره من قبل.
على الغلاف مكتوب بخط أحمر مهتز: "لا تتذكر".

تردد قليلًا، ثم فتح الصفحة الأولى.
كانت هناك صور مطبوعة، كلها له… لكن في أماكن لا يتذكر أنه زارها أبدًا.
في إحداها، يقف في غابة مظلمة مع مجموعة من الغرباء، بينما على وجهه ابتسامة باردة لم يرها على نفسه من قبل.

في كل صفحة، كلما قلبها، بدأ رأسه يؤلمه، وصوت خافت يهمس في أذنه:
– "توقف… إنهم يراقبونك."

حاول أن يقنع نفسه أنها مزحة من أحد أصدقائه، لكن كل صورة كانت تبدو حقيقية أكثر من اللازم.
ثم وصل إلى صفحة فارغة… أو هكذا بدت.
عندما لمسها، ظهرت كلمات ببطء كأنها تُكتب من تلقاء نفسها:
"أنت لا تعيش حياتك… نحن من كتبنا كل ذكرياتك."

الصداع أصبح لا يُحتمل، وبدأت صور طفولته تتلاشى من عقله، تُستبدل بمشاهد لم يرها من قبل:
هو يقف في غرفة عمليات، يضع قناعًا على وجه شخص مربوط، وأصوات تبكي في الخلفية.

ركض نحو المرآة ليتأكد من نفسه…
لكن ما رآه لم يكن وجهه.
كان شخصًا آخر، بعيون مظلمة لا تحمل أي حياة.

في تلك اللحظة، انطفأت الأضواء، وبقي أمامه انعكاسه الجديد يبتسم، ثم قال:
– "أخيرًا تذكرت من نحن… والآن حان وقت عودتك."

عرس في الظل

عرس في الظل

كانت ليلى تحلم بيوم زفافها منذ الطفولة، لكن مع اقتراب موعده، بدأ شيء غريب يتسلل إلى قلبها.
لم يكن خوفًا عاديًا، بل كأن هناك ظلًّا مظلمًا يراقبها، يهمس في أذنها كلمات لا تفهمها لكنها تُشعرها بالرعب.

في الليالي التي تسبق العرس، كانت تسمع صوت خطوات خفية في البيت، همسات باردة تمر بجانبها دون أن تراها.
كلما اقترب اليوم، زاد ذلك الشعور وكأنه شيء يريد أن يمنعها من الزواج.

حاولت التحدث مع خطيبها سامر، لكنه كان مشغولًا بتحضيرات العرس ولا يلاحظ ما تمر به.
في إحدى الليالي، استيقظت ليلى على صوت طرقات متقطعة على باب غرفتها، فتحت ببطء، فلم تجد أحدًا.

لكن على الأرض كانت هناك بطاقة صغيرة مكتوب عليها:
"لا تذهبي… الزفاف سيقتل روحك."

ارتعبت، وقررت أن تخبر والدتها.
لكن والدتها كانت غائبة في المستشفى، وخطيبها بعيد، ولم يكن هناك من يصدقها.

بدأت ليلى ترى ظلًّا في كل مكان، يراقبها من الزوايا، وفي انعكاسات المرآة تتغير ملامحه إلى وجه مشوه يبتسم ابتسامة قاتلة.

في يوم العرس، وبينما كانت تستعد، شعرت بأن ثوبها يشدها للخلف وكأن قوة خفية تمنعها من المضي قدمًا.
سمعت همسات تصرخ في رأسها:
– "اذهبي… لا تقبلي المصير."

وقفت أمام المرآة، ورأت في انعكاسها ليس نفسها، بل امرأة مخيفة ترتدي فستان زفاف ممزق، ووجهها مشوه، وعينان سوداوان لا تفارقهما الابتسامة.

صرخت وصاحت:
– "لا! أنا لست مستعدة!"

تلاشى الظل، لكن الخوف بقي في قلبها، وحين نظر إليها سامر، وجدها تجلس على الأرض، تبكي دون أن تستطيع الكلام.

في النهاية، فهم الجميع أن هناك شيئًا أكثر من مجرد خوف…
أنه كابوس ينتظرها في طريق الزواج، كأن الماضي أو سر مظلم يرفض أن تتركه خلفها.

الأربعاء، 13 أكتوبر 2021

بين حلم ويقظة

بين حلم ويقظة

استيقظ سامر في منتصف الليل، والعرق يغطي جبينه.
كانت غرفة نومه مظلمة، لكن شيئًا ما لم يكن على ما يرام.
سمع صوت خطوات خافتة تتكرر في الممر خارج الغرفة.

نهض ببطء وفتح الباب بحذر.
لم يكن هناك أحد، لكن على الأرض وجد ورقة صغيرة مكتوب عليها:
"هل أنت متأكد من رغبتك؟"

ارتعب، وأعاد الورقة إلى جيبه.
توجه إلى النافذة ونظر إلى الشارع الفارغ، لكنه رأى ظلًا يختفي بين الأشجار.

عاد إلى السرير لكنه لم يستطع النوم، فبدأ يرى صورًا متداخلة بين الحلم والواقع:
رجل يرتدي بدلة الزفاف، يقف وحيدًا في قاعة كبيرة مليئة بالمرآة، والمرآة تعكس صورًا متعددة له، كل واحدة تبدو مختلفة.

تقدم الرجل نحو المرآة، ووقف أمامها.
ظهرت يد على الزجاج، وكأنها تحاول الإمساك به.

ثم تحول المشهد إلى غرفة نومه، حيث وجد نفسه مرة أخرى، لكنه الآن كان يرى نفسه من الخارج، كأنه شبح يراقب جسده.

صرخ:
– "لا! هذا ليس حقيقي!"

لكن الصوت رد عليه:
– "الحقيقة ليست كما تعتقد… أنت عالق بين عالمين."

تلاشى كل شيء، ووجد سامر نفسه في ممر طويل لا نهاية له، مضاء بضوء خافت، وكل خطوة تخطوها تصدر صوتًا كصدى من الماضي والمستقبل.

وبينما يمشي، تكرر السؤال في رأسه:
"هل أنت متأكد من رغبتك؟"

وفي لحظة توقف، نظر خلفه، ولم يرَ سوى ظله… ولكن ظلًا لا يتبع حركته، بل يتحرك بحرية مستقلة.

حبٌ يتخطى الزمان

حبٌ يتخطى الزمان

في عمق القلب نبتت زهرةُ الهوى
تزهرُ رغم الجُفَاءِ، رغم العُذرا

حبٌ لا يُقاسُ بعدد الأيامِ،
هوَ نهرٌ يسري في صَمتِ الأنغامِ

ليس فقط بكلماتٍ تُقال،
بل بلمسةِ روحٍ تحيا في الخيالِ

حين أغمض عينيّ، أراكَ هناكَ
وجهكَ الحاني، دفءُ ينسجُ السّماكَ

حبُّنا ليسَ عابرًا كالرّياحِ،
بل هوُ وطنٌ، وأمانٌ، وفراحُ

لا تنطفئُ نارُه مهما طالَ البُعدُ،
هوَ شعلةُ القلب، لا تعرفُ الغُروبَ

يا نبضَ الروحِ، يا ربيعَ العمرِ،
بك الحياةُ أجمل، بكَ العمرُ يُثمرِ

فلتكن قصتنا سرّ العاشقين،
حبٌّ خالدٌ بين الفؤادين.

الثلاثاء، 12 أكتوبر 2021

وداع القلب

وداع القلب

في ليالي الوحدة والصمت الحزين
يتلو القلب أنين الفراق الدفين
تركتني وحيدًا على درب الألم
بين أطياف الذكرى وأطياف الحنين

كانت أيامنا وردًا وزهورًا
والآن صارت الذكريات جروحًا في الجروح
في كل زاوية صدى صوتك يئن
وفي كل نبضة يغمرني وجع لا يفتر

كيف للنفس أن تنسى عطر اللقاء؟
وكيف للعين أن تخفي دموع السماء؟
رحلت بلا وداع، بلا كلمة توديع
وتركتني أغرق في بحر الضياع

أحاول أن أنسى ولكن بلا جدوى
فكل شيء يذكرني بك، حتى الضياء
كل أغنية، كل مكان، كل لحظة
تنسج في قلبي قصة الألم والرجاء

ألم الفراق كالسكين يغرز في القلب
ينزفُ أوجاعًا لا تُرى إلا في الصمت
لكنّي رغم كل الجراح والدموع
أظل أذكرك، رغم الألم والتشتيت

يا من كنت لي نبعًا للحب والحنان
كيف أصبحت لي سببًا في العذاب والشتات؟
ولكني أعلم أن الزمن شافٍ لكل جرح
وسيمحو وجع الفراق، رغم قسوة الليال

ففي النهاية يبقى القلب قادرًا على الحب
حتى لو تجرع مرارة الفراق والذل
ويبقى الأمل نورًا في عتمة الأيام
يهمس لي بأن بعد كل ألم، سيأتي الفرح


ه

حبٌ بلا لقاء

حبٌ بلا لقاء

أحبك بصمت، بلا أمل يُرتجى،
كزهرةٍ في صحراء لا تجد ماء.

أرسل لك من بعيد نبضات قلبي،
تخطفها الريح ولا تعرف أن تُرجع.

أنا الذي يمشي وحده في الطرقات،
يرى وجهك في كل زقاق، في كل صدى.

أنتَ هناك، في عالمٍ بعيدٍ،
ولا تدري أنني أتنفس اسمك في صمت الليالي.

أشتاقك كعاشقٍ يتوه في انتظار،
كطفلٍ يظل يبحث عن دفء حضنك في العواصف.

أروي قصة حبٍ لا تعرفها،
حكاية قلبٍ جُرِح لكنه ما زال ينتظر.

كم مرةً حاولت أن أخبرك؟
لكن خجلي كان سداً بين الكلمات.

هل تعلم أني في غيابك أذبل؟
وكل لحظة بعدك تمضي كسهمٍ في صدري.

أحبك، لا لأنك رأيت،
بل لأنني وجدتك في عالمي الداخلي، وحدي.

لا أنتظر منك ردًا أو جوابًا،
فحبّي لا يطلب إلا أن يبقى صامتًا.

لكن قل لي، هل تلمس شوقي؟
هل تشعر بقلبي حين يهمس باسمك في ظلمة الليل؟

لو كان بيدي أن أصنع لحظة،
لأحضرتك إلي، وأمسكت بيدك مهما بعدت المسافات.

فحب من طرف واحد، هو نارٌ باردة،
تُشعل في الصدر وجعاً لا يهدأ أبدًا.

في سكون الليل

في سكون الليل

في سكون الليل، أسمع همساتك
تجري في دمي، تكتب أحاديثك

يا روحًا غابت، وجرحًا في قلبي
كأنك نجمة، ضاعت في سمائي

أحنّ لخطاك، وأرتقب صوتك
كأن الزمن يسلبني طيف حضورك

أيا من كان لي نبضًا وضياءً
تركتني وحيدًا أسير في العناء

كلما غبت، تنهار الدنيا حولي
وأصبح كالشمس دون دفء أو ضوء

أشتاقك حتى في صمت الكلام
وأحكي للقمر عن لهيب الأشواق

لو تعلم كم ذرفت من دموع
كم حلمت بلقاء يعيد النبض لي

يا ملاكًا قد سكن روحي
عد، فأنا وحدي في بحر الغياب

يا غلا قلبي

يا غلا قلبي

يا غلا قلبي، يا نور عيوني
من يوم شفتك، قلبي ما له سكوني

ضحكتك شمس تشرق في حياتي
والحب في عيونك صار أجمل أماني

يا روح قلبي، يا وردة الحي
معاك الدنيا تصبح عيد وفرحٍ

تعال قرب، لا تبعد عني
بدونك يا غالي، الدنيا تصير ظلامي

يا غلا قلبي، حبك في دمي
ما أقدر أنسى لحظة كنت جنبي

حتى لو فرقتنا الأيام
حبك في قلبي باقي ما له مقام

الاثنين، 11 أكتوبر 2021

دموعها في صمت الليل

دموعها في صمت الليل

في صمت الليل، تبكي وحدها
دموعها كأنهار لا تعرف السكون

حكايات الألم على وجهها مكتوبة
وقلبها جريح، ينزف بلا مبرر أو عذر

كل ابتسامة كانت قناعًا مريرًا
تخبئ خلفه بحرًا من الأسى والدموع

يا امرأةً حملت وجع الزمن
وصبرت على قسوة الأيام والآهات

تبحث عن ضوءٍ في درب مظلم
وتسأل النجوم: متى تنتهي الليالي؟

لكن رغم الجراح، تبقى صامدة
قوية كالصخر، رغم هشاشة الروح

في عينيها قصصٌ لا تُروى
وفي صمتها صرخة لا يسمعها أحد

هي أميرة الأحزان المجهولة
لكنها تبقى نجمة تضيء الظلام.