مقهى الذكريات

مقهى الذكريات

كان المقهى الصغير في زاوية الحي هادئًا على غير العادة، وكأن الزمن توقف عنده منذ سنوات. رائحة القهوة المحمصة تعبق في المكان، تختلط بصوت فيروز الخافت في الخلفية.
جلس يوسف على الطاولة القريبة من النافذة، يحدّق في كوب القهوة أمامه دون أن يجرؤ على ارتشافه. كان قلبه يطرق بقوة؛ فهو يعلم أن لقاء اليوم ليس كأي لقاء.

فتحت سارة الباب، ودخلت بخطوات مترددة. لم تتغير كثيرًا منذ آخر مرة رآها قبل ثلاث سنوات، إلا أن في عينيها شيئًا جديدًا… مزيج من النضج والحزن.
ابتسمت ابتسامة باهتة وهي تقترب:
– يوسف… تأخرت قليلًا، الطريق كان مزدحمًا.

– لا بأس… كنت أنتظرك.

جلسا بصمت للحظات، قبل أن يقطع يوسف الجمود:
– أتذكرين هذه الطاولة؟ كانت دائمًا مكاننا المفضل… حيث كنا نخطط لكل شيء.

ضحكت بخفة، لكن صوتها كان مكسورًا قليلًا:
– نعم… كنا نحلم بالسفر والعمل معًا… لكن الحياة أخذتنا في طرق مختلفة.

تنهد يوسف وهو يمرر أصابعه على فنجان القهوة:
– صحيح… لم تكن الأمور سهلة. لكني جئت اليوم لأقول شيئًا لم أستطع قوله وقتها.

رفعت سارة حاجبيها باهتمام:
– ماذا؟

– كنت أحبك… ولا زلت.

ساد صمت ثقيل، لم يُكسره سوى صوت الملعقة وهي ترتطم بجدار الكوب. نظرت إليه طويلًا، ثم قالت بصوت خافت:
– وأنا أيضًا… لكن الظروف كانت أقوى منا.

– الظروف لا تمنع القلب من النبض… نحن من نقرر الاستسلام أو الاستمرار.

بدت الحيرة في عينيها، وكأنها تقاتل نفسها من الداخل. تناولت رشفة من قهوتها، ثم تمتمت:
– هل تظن أننا نستطيع البدء من جديد بعد كل هذا الوقت؟

ابتسم يوسف بثقة، مد يده نحوها:
– إذا كنا نريد حقًا، نعم. لنترك الماضي وراءنا، ولنكتب فصلاً جديدًا هنا… في مقهى الذكريات.

وضعت يدها في يده ببطء، شعرت بدفء افتقدته طويلاً، وكأن اللحظة أعادتها لسنوات مضت.
نظر كل منهما للآخر بعينين تقولان أكثر مما تستطيع الكلمات أن تصفه.

وعندما غادرا المقهى، كانت السماء صافية، والريح تحمل رائحة القهوة من بعيد… لتبقى ذكرى ذلك اللقاء محفورة في قلبيهما كعطر لا يزول.


ليست هناك تعليقات